سلسلة مقالات الاستاذ نبيل العوذلي

الثلاثاء، 3 أبريل 2012

القدوة والاسوة –النموذج-هل يجب ان يتخذ شكلا وشاكلة واحدة دائما


بسم الله الرحمن الرحيم

القدوة والاسوة –النموذج-هل يجب ان يتخذ شكلا وشاكلة واحدة دائما
مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز ال الشيخ حفظه الله

 الشيخ احمد ديدات رحمه الله
قال تعالى

--قل كل يعمل على شاكلته—

قال ابن عباس : على ناحيته .

قال الحسن وقتادة على نيته .

وقال مقاتل : على خليقته .

قال الفراء على طريقته التي جبل عليها .

وقال القتيبي : على طبيعته وجبلته .

وقيل : على السبيل الذي اختاره لنفسه وهو من الشكل يقال : لست على شكلي ولا شاكلتي وكلها متقاربة تقول العرب : طريق ذو شواكل إذا تشعبت منه الطرق . ومجاز الآية : كل يعمل على ما يشبهه كما يقال في المثل : كل امرئ يشبهه فعله .

اذا الشاكلة هو الشخصية التي يظهر بها الانسان ويبطنها شكلا ومضمونا ظاهرا في لبسه ومشيه ومأكله وسلوكه الخارجي عامة كطريقة كلامه كطريقة حركته وباطنا من الاحوال الباطنية كالخوف والرجاء والسخط والحب والكره ----الخ وذلك خلال تعامله مع الاخرين

السعوديون يقدمون شكل النموذج والقدوة بالهيئة والشاكلة المعروفة للمطوع السعودي والمصريون لهم الشكل الازهري المعروف والشاميون لهم شكلهم المعروف واليمانيون ايضا لهم شكلهم وشاكلتهم المعروفة التي يقدمون بها هذا النموذج كقدوة وكأسوة للاخرين

السؤال هنا هل هناك شكلا ومضمونا واحدا يمثل النموذج الصحيح للقدوة والاسوة في كل مكان وزمان ومن خرج عنه صار ناقصا في استيفاء شروط الامامة والقدوة والاسوة للاخرين؟

اذا نظرنا للانبياء كشكل وشاكلة سنجد ان الله تعالى لم يجعل لهم شكلا واحدا ثابتا وشاكلة –اي شخصية واحدة- فقط لكل منهم تتكرر دائما—حتى على مستوى الخلقه التي خلقها الله تعالى الانبياء

فعيسى عليه السلام كما جاء في وصفه شديد سواد اللحية، كثير الشعر، حسن العينين، حسن الوجه،

وابراهيم عليه السلام رجل شديد البياض، حسن العينين، صَلْت الجبين، طويل الخد، أبيض اللحية كأنه يبتسم،

وموسى عليه السلام رجل جعد قطط، غائر العينين، حديد النظر، عابس متراكب الأسنان، مقلَّص الشفة كأنه غضبان،

واسحاق عليه السلام رجل أبيض مُشْرَب حُمرة، أقنى، خفيف العارضين، حسن الوجه

واسماعيل عليه السلام رجل أبيض، حسن الوجه، أقنى الأنف، حسن القامة، يعلو وجهه نور، يعرف في وجهه الخشوع، يضرب إلى الحمرة



وهكذا لبقية اشكال الانبياء –ايضا لثقافة كل نبي عليه السلام المتصلة بالبيئة والفترة التي عاشها ذلك النبي فموسى عاش في البلاط الفرعوني والمجتمع الفرعوني وايضا يوسف ولكن في حقبة اخرى وابراهيم عليه السلام له بيئته وثقافته وايضا بقية الانبياء –فيصبح ان هناك اصلا واحدا يجمعهم ويوحدهم ولكن هناك تعدد في ثقافاتهم مثلما هو حال الابناء الذين يكون ابوهم واحد ولكن لكل منهم ام غير ام الاخر-- ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاتٍ ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ

قال العلماء : أولاد العلات بفتح العين المهملة وتشديد اللام هم الإخوة لأب من أمهات شتى . وأما الإخوة من الأبوين فيقال لهم أولاد الأعيان .

هل يمكننا ان نفهم الابناء حينما يكون ابوهم مثلا سعودي واحدهم امه يمنية والاخر سورية والاخر مصرية والاخر مغربية كيف سيكون لكل منهم ثقافته وشخصيته التي يكتسبها من امه ليجمعهم ثقافة الاب الواحد –اذا فهمنا هذه المسألة يمكننا ان نفهم

بل حتى على مستوى المهن فمن الانبياء من كان نجارا ومنهم من كان بزباز-اي تاجر اقمشة- ومنهم من كان حدادا وايضا عاملا ومزارعا وراعيا....الخ

 ما الذي نريد ان نصل اليه؟

نريد ان نصل الى ان القدوة والاسوة-كنموذج-يؤثر في الاخرين ليس له شكل واحد ليس له شخصية واحدة ولا لبس واحد ولا طريقة كلام واحد ---كشكل وشاكلة مجملة –عامة- ولكن هناك جامع يضمهم كأصل واحد يصل بينهم انهم كلهم يدعون الى الخير الذي اعلى درجاته توحيد الله عز وجل وادناها الاخلاق العامة حتى على مستوى صرف القمامة من طريق الناس

هنا ينشىء قول يقول لك لا ولكن شكل وشخصية النبي صلى الله عليه وسلم هي الشكل والشاكلة ظاهرا وباطنا الذي يجب ان نتأسى به فقط

قال تعالى بعد ان ذكر جملة من الانبياء في سورة الانعام –

 )))( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده )(((

قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - :  " فبهداهم اقتده " [ ص: 519 ] يقول - تعالى ذكره - : فبالعمل الذي عملوا ، والمنهاج الذي سلكوا ، وبالهدى الذي هديناهم ، والتوفيق الذي وفقناهم " اقتده " يا محمد ، أي : فاعمل ، وخذ به واسلكه ، فإنه عمل لله فيه رضا ، ومنهاج من سلكه اهتدى

فاذا كان محمد صلى الله عليه وسلم مامور بالاقتداء بجملة اولئك الانبياء عليهم السلام فكيف نقول نحن انناى لسنا معنيين سوى بالاقتداء بمحمد صلى الله عليه وسلم

الثوابت والمتغيرات

فالمقصود بالثوابت هنا الأحكام الإسلامية التي ثبتت بأدلة قطعية الدلالة والثبوت أو الإجماع الصحيح الثابت الذي مضت عليه الأمة في قرونها الثلاثة الأول.وأما المتغيرات فالمقصود بها هنا هي الأحكام التي تثبت بدليل ظني (سواء أكانت الظنية في دلالة النص وثبوته، أم في أحدهما) أو باجتهاد قائم على القياس أو المصالح المرسلة، أو العرف، أو مقاصد الشريعة أو نحو ذلك.-مقتبس-

انا اريد من خلال هذه المناقشة ان احرر عقول الناس من الالتفات الى اشياء محددة يتم تقديمها للناس على انها ذلك الدين القطعي وثوابت وتكون هي من المتغيرات او العكس ومن هذه الامور شكل وشاكلة القدوة والاسوة –كنموذج يؤثر في الناس ويؤثر فيهم-

 الذي يجب الاقتداء به فقط ولايجب الخروج عن اطاره  وجعله بمحل القطع والاصل والثابت وهي اصلا بمحل التعدد والتنوع في المذاهب والطرق والسياسات بالنسبة للعلماء والمشايخ والامراء

يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله


فالمذاهب والطرائق والسياسات للعلماء والمشايخ والأمراء إذا قصدوا بها وجه الله تعالى دون الأهواء ليكونوا مستمسكين بالملة والدين الجامع الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له واتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم من الكتاب والسنة بحسب الإمكان بعد الاجتهاد التام : هي لهم من بعض الوجوه بمنزلة الشرع والمناهج للأنبياء وهم مثابون على ابتغائهم وجه الله وعبادته وحده لا شريك له وهو الدين الأصلي الجامع كما يثاب الأنبياء على عبادتهم الله وحده لا شريك له ويثابون على طاعة الله ورسوله فيما تمسكوا به لا من شرعة رسوله ومنهاجه كما يثاب كل نبي على طاعة الله في شرعه ومنهاجه .

ويتنوع شرعهم ومناهجهم مثل أن يبلغ أحدهم الأحاديث بألفاظ غير الألفاظ التي بلغت الآخر وتفسر له بعض آيات القرآن بتفسير يخالف لفظه لفظ التفسير الآخر ويتصرف في الجمع بين النصوص واستخراج الأحكام منها بنوع من الترتيب والتوفيق ليس هو النوع [ ص: 127 ] الذي سلكه غيره وكذلك في عباداته وتوجهاته وقد يتمسك هذا بآية أو حديث وهذا بحديث أو آية أخرى .



اذا نخلص الى انه اذا كان لكل واحد من الانبياء شكله الخاص وبيئته وشخصيته وثقافته التي تكونت من تلك البيئة بدءا من الاسرة الى الوسط المحيط الى لغة اللسان الى لهجة اللسان الى  جغرافية هذه البيئة من حيث كونها جبلية او صحراوية ام سهلية  حارة ام باردة بحيواناتها وجيولوجية ترابها وصخورها بل وماءها كل ذلك الذي يلعب دورا في تشكيل جزء من شخصية الانسان كمثل الابناء لامهات شتى من اب واحد فلماذا نصر على تقديم نمط واحد على انه النموذج الاصلي للقدوة والواحد الثابت حتى على مستوى اللبس مع انه قد جاء الكلام في اللبس ما ي-- وقد لبس النبي صلى الله عليه وسلم ما تيسر له من اللباس؛ من الصوف تارة، والقطن تارة، والكتان تارة، ولبس البرود اليمانية (جمع بُردة، وهي كساء مخطط يًلتحف به)، ولبس الجبة (وهي ثوب سابغ واسع الكُمّين مشقوق المُقَدّم، يُلبس فوق الثياب)، والقباء (ثوب يُلبس فوق الثياب أو القميص ويُتَمنطق عليه أي يُشدَ وَسَطُه بالمِنْطَقَة)، والقميص (لباس يستر البدن كله)، والسراويل (لباس يغطي السُّرة والركبتين وما بينهما)، والإزار (ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن) والرداء (وهو ما يُلبس فوق الثياب كالجُبْة والعَبَاءة، وهو الثوب يستر الجزء الأعلى من الجسم فوق الإزار)، والخف (ما يُلبس في الرِّجل من جلد رقيق) والنعل، ولبس العمامة وأرخى الذؤابة (وهو طرف العمامة المتدلي).
 فاذا كان هذا النموذج –القدوة والاسوة- متواجد في بلاد الكفار                      أو يتعامل معهم ولابد من وجوده اما لمصلحة او اضطرارا مثل ان يكون لاجئا سياسيا عندهم فر من ظلم حكومته كحال بعض السوريين وغيرهم من العرب المتواجدين في اوربا وامريكا فهل يلزم عليه ان يتخذ ذات الشكل والشاكلة التي يظهر بها في بلاد المسلمين وعندهم؟

هذه المسألة حقيقة تقاس على كلام شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله على النجاشي ويوسف عليه السلام حيث قال رحمه الله

-- كما كان مؤمن آل فرعون مع قوم فرعون، وكما كانت إمرأة فرعون، بل وكما كان يوسف الصديق عليه السلام مع أهل مصر. فإنهم كانوا كفارا ولم يكن يمكنه أن يفعل معهم كل ما يعرفه من دين الإسلام؛ فإنه دعاهم إلى التوحيد والإيمان فلم يجيبوه. قال تعالى عن مؤمن آل فرعون: ((ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً)) [غافر: 34].
وكذلك النجاشي.. هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام؛ بل إنما دخل معه نفر منهم. ولهذا لما مات لم يكن هناك من يصلي عليه؛ فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة؛ خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفا، وصلى عليه، وأخبرهم بموته يوم مات، وقال: ( إن أخا لكم صالحا من أهل الحبشة مات ).
وكثيرٌ من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك؛ فلم يهاجر، ولم يجاهد، ولا حج البيت. بل قد رُوىَ أنه لم يكن يصلي الصلوات الخمس، ولا يصوم شهر رمضان، ولا يؤدِّي الزكاة الشرعية؛ لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه وهو لا يمكنه مخالفتهم ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن.
----الى ان قال رحمه الله-- ه...
والنَّجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن؛ فإنَّ قومه لا يقرونه على ذلك.
وكثيرًا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضياً، بل وإماماً، وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها؛ فلا يمكنه ذلك. بل هناك من يمنعه ذلك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

وعلى ذلك القياس نقول انه بالنسبة للداعية والعالم في الدول الغير مسلمة تكون له مساحة واسعة من السعة لتحقيق المقصود وفق ما يراه صالحا ومتاحا ومؤثرا—ولايلزم التقيد بشكل وشاكلة معينة وجعلها ثابت بينما تكون هي قابلة للتغيير ومن المتغيرات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق